فصل: أحاديث الخصوم لهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


 أحاديث الخصوم لهم

حديث ‏"‏إذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا‏"‏، أخرجه البخاري ‏[‏في ‏"‏باب إنما جعل الإمام ليؤتم به‏"‏ ص 96، ومسلم في ‏"‏باب ائتمام المأموم‏"‏ ص 176، وأبو داود في ‏"‏باب الإمام يصلي من قعود‏"‏ ص 96، والترمذي في ‏"‏باب إذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا‏"‏ ص 47، والنسائي في ‏"‏باب الائتمام بإمام يصلي قاعدًا‏"‏ ص 133‏.‏‏]‏ ومسلم، وباقي الستة عن الزهري عن أنس، قال‏:‏ سقط رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ عن فرس فجحش شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة، فصلى بنا قاعدًا، فصلينا وراءه قعودًا، فلما قضى الصلاة، قال‏:‏ ‏"‏إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، الى أن قال‏:‏ وإذا صلى قاعدًا، فصلوا قعودًا‏"‏، وأخرجا ‏[‏البخاري في ‏"‏باب إقامة الصف من تمام الصلاة‏"‏ ص 100، ومسلم في‏:‏ ص 177‏]‏ من حديث أبي هريرة نحوه‏:‏ أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ ‏"‏إنما جعل الإِمام ليؤتم به‏"‏، الحديث، ليس فيه قصة الفرس، وأخرجا ‏[‏أخرجه البخاري في ‏"‏المرضى - في باب إذا عاد مريضًا، فحضرت الصلاة‏"‏ ص 845، ومسلم‏:‏ ص 177 - ج 1، واللفظ له‏.‏‏]‏ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت‏:‏ اشتكى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه، فصلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ جالسًا، فصلوا بصلاته قيامًا‏.‏ فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا، فلما انصرف، قال‏:‏ ‏"‏إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا‏"‏، انتهى‏.‏ وأخرج مسلم ‏[‏في باب ائتمام المأموم بالإمام‏"‏ ص 177 - ج 1، والطحاوي‏:‏ ص 234، والنسائي‏:‏ ص 128، و ص 178، وأحمد‏:‏ ص 334، وأبو داود‏:‏ ص 96، الظاهر من بعض ألفاظ السياق أن القصة من مرض الموت‏.‏‏]‏ عن أبي الزبير عن جابر نحوه، سواء، وقد أخرج البخاري في ‏"‏صحيحه ‏[‏في ‏"‏باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب‏"‏ ص 55‏.‏‏]‏‏"‏ حديث أنس المذكور، من رواية حميد الطويل عنه، مخالفًا لرواية الزهري عنه‏.‏ ولفظه‏:‏ أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ سقط عن فرسه فجحشت ساقه، أو كتفه، وآلى من نسائه شهرًا، فجلس في مشربة له، فأتاه أصحابه يعودونه، فصلى بهم جالسًا، وهم قيام، فلما سلم‏:‏ قال‏:‏ ‏"‏إنما جعل الإِمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، ونزل لتسع وعشرين، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه، إنك آليت شهرًا‏؟‏ فقال‏:‏ إن الشهر تسع وعشرون‏"‏، انتهى‏.‏ ذكره في أوائل الصلاة - في باب الصلاة في السطوح‏"‏ منفردًا به، دون الباقين، وتكلف القرطبي في ‏"‏شرح مسلم‏"‏ الجمع بين الروايتين، فقال‏:‏ يحتمل أن يكون البعض‏:‏ صلوا قيامًا‏.‏ والبعض صلوا جلوسًا، فأخبر أنس بالحالتين، وهذا مع ما فيه من التعسف، ليس في شيء من الروايات ما يساعده عليه، وقد ظهر لي فيه وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ أنهم صلوا خلفه قيامًا‏.‏ فلما شعر بهم النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أمرهم بالجلوس، فجلسوا، فرآهم أنس على الحالتين، فأخبر بكل منهما، مختصرًا للأخرى، لم يذكر القصة بتمامها، يدل عليه حديث عائشة، وحديث جابر المتقدمان‏.‏ الثاني‏:‏ وهو الأظهر‏:‏ أنهما كانا في وقتين، وإنما أقرهم عليه السلام في إحدى الواقعتين على قيامهم خلفه، لأن تلك الصلاة كانت تطوعًا، والتطوعات يحتمل فيها مالا يحتمل في الفرائض، وقد صرح بذلك في بعض طرقه، كما أخرجه أبو داود في ‏"‏سننه ‏[‏في ‏"‏باب الامام يصلي من قعود ص 96، والبيهقي في ‏"‏سننه‏"‏ ص 80 - ج 3، والدارقطني‏:‏ ص 162‏.‏‏]‏‏"‏ عن أبي سفيان عن جابر، قال‏:‏ ركب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فرسًا بالمدينة، فصرعه على جذم نخلة، فانفكت قدمه، فأتيناه نعوده، فوجدناه في مشربة لعائشة، يسبح جالسًا، قال‏:‏ فقمنا خلفه، فسكت عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعوده، فصلى المكتوبة جالسًا، فقمنا خلفه، فأشار إلينا فقعدنا، قال‏:‏ فلما قضى الصلاة، قال‏:‏ ‏"‏وإذا صلى الإِمام جالسًا فصلوا جلوسًا، وإذا صلى قائمًا، فصلوا قيامًا، ولا تفعلوا، كما تفعل فارس بعظمائها‏"‏، انتهى‏.‏ ورواه ابن حبان في ‏"‏صحيحه‏"‏ كذلك، ثم قال‏:‏ وفي هذا الخبر دليل على أن ما في حديث حميد عن أنس أنه صلى بهم قاعدًا وهم قيام، أنه إنما كانت تلك الصلاة سبحة، فلما حضرت الفريضة أمرهم بالجلوس، فجلسوا، فكان أمر فريضة ‏[‏في نسخة ‏"‏لفريضة‏"‏‏.‏‏]‏ لا فضيلة، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ومما يدل على أن التطوعات يحتمل فيها مالا يحتمل في الفرائض ما أخرجه الترمذي ‏[‏في ‏"‏باب ما ذكر في الالتفات من الصلاة‏"‏ ص 78‏.‏

‏]‏ عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس، قال‏:‏ قال لي رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏إياك والالتفات في الصلاة، فإنه هلكة، فإن كان لابد، ففي التطوع لا في الفريضة‏"‏، انتهى‏.‏ وقال‏:‏ حديث حسن، انتهى‏.‏ وأصحابنا يجعلون أحاديث‏:‏ ‏"‏إذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا‏"‏، منسوخة بحديث عائشة المتقدم‏:‏ أنه صلى آخر صلاته قاعدًا، والناس خلفه قيام، وبحديث‏:‏ ‏"‏لا يؤمَّنَّ أحد بعدي جالسًا‏"‏، وسيأتي ذكره، لكن حديث عائشة وقع فيه اضطراب لا يقدح فيه، فالذي تقدم أنه عليه السلام كان إمامًا‏.‏ وأبو بكر مأموم، وقد ورد فيه العكس، كما أخرجه الترمذي ‏[‏في ‏"‏باب - بعد باب إذا صلى الامام قاعدًا فصلوا قعودًا‏"‏ ص 48، والنسائي في ‏"‏باب صلاة الامام خلف رجل من رعيته‏"‏ ص 127، والطحاوي‏:‏ ص 236، والبيهقي‏:‏ ص 82 - ج 3‏.‏‏]‏ والنسائي عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة، قالت‏:‏ صلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في مرضه الذي توفي فيه خلف أبي بكر قاعدًا، انتهى‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح، وأخرج النسائي أيضًا ‏[‏ص 127 - ج 1، وأحمد‏:‏ ص 159 - ج 3، و ص 233 - ج 3 و ص 243، راجعه، والطيالسي‏:‏ ص 258، وأخرجه الطحاوي عن حميد عن ثابت عن أنس، وكذا الترمذي في ‏"‏باب إذا صلى الامام قاعدًا صلوا قعودًا‏"‏ ص 48، وقال‏:‏ حسن صحيح، وقال‏:‏ من ذكر فيه عن ثابت أصح، وأخرج الطحاوي حديث أنس‏:‏ ص 223، ولفظه‏:‏ خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهو متكىء على أسامة متوشح ببرد، فصلى بهم، اهـ‏.‏ وفي الطيالسي‏:‏ ص 285 في مرضه الذي مات فيه، فيصلي بالناس في ثوب واحد، الحديث‏.‏‏]‏ عن حميد عن أنس، قال‏:‏ آخر صلاة صلاها رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ مع القوم، صلى في ثوب واحد متوشحًا خلف أبي بكر، انتهى‏.‏ ومثل هذا لا يعارض ما وقع في الصحيح، مع أن العلماء جمعوا بينهما، قال البيهقي في ‏"‏المعرفة‏"‏‏:‏ ولا تعارض بين الخبرين، فإن الصلاة التي كان فيها النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إمامًا هي صلاة الظهر، يوم السبت ‏[‏قوله يوم السبت والأحد، قلت‏:‏ هذا غلط صريح، لأنهم اتفقوا على أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم توفي يوم الاثنين، وفيه حديث أنس في ‏"‏الصحيح - في باب من رجع القهقرى‏"‏ ص 161، وأنه عليه السلام لم يخرج بعد الخروج الأول ثلاثًا، كما في ‏"‏الصحيح - في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة‏"‏ من حديث أنس‏:‏ ص 94، ثم ذكر أنس خروجه صلى اللّه عليه وسلم في اليوم الرابع، ورفع الحجاب، فكان يوم الوفاة اليوم الخامس من الخروج الأول الذي خرج فيه عليه السلام لصلاة الظهر، وخطب، وإليه الاشارة في حديث جندب عند مسلم في ‏"‏النهي عن بناء المسجد على القبر‏"‏ ص 201، قال‏:‏ سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، اهـ‏.‏ واليوم الخامس من يوم الاثنين قبله، هو يوم الخميس، ففيه خرج النبي صلى اللّه عليه وسلم لصلاة الظهر، وخطب بعد الصلاة، كما في حديث عائشة في ‏"‏الصحيح - في آخر المغازي‏"‏ ص 639، وفي غيره، وقد اهتم لهذا الخروج، وأراق عليه من سبع قرب لم يحلل أوكيتهن، وهو في ‏"‏الصحيح - في باب الغسل والوضوء من المخضب‏"‏ ص 32، قال الحافظ ابن كثير في ‏"‏البداية والنهاية‏"‏ ص 228 - ج 5‏:‏ وخطب عليه السلام في يوم الخميس قبل أن يقبض بخمسة أيام خطبة عظيمة - الى قوله‏:‏ ولعل خطبته هذه كانت عوضًا عما أراد أن يكتبه في الكتاب، اهـ‏.‏ ولي في هذه المسألة رسالة مستقلة جمعتها، ولم تهذب بعد، أسأل اللّه أن يوفقني لتهذيبها، وهو الموفق‏.‏‏]‏ أو الأحد، والتي كان فيها مأمومًا هي صلاة الصبح، من يوم الأثنين، وهي آخر صلاة صلاها عليه السلام، حتى خرج من الدنيا، قال‏:‏ وهذا لا يخالف ما يثبت عن الزهري عن أنس في صلاتهم يوم الإِثنين، وكشفه عليه السلام الستر، ثم إرخائه، فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى، ثم إنه عليه السلام وجد في نفسه خفة، فخرج فأدرك معه الركعة الثانية، يدل عليه ما ذكره موسى بن عقبة في ‏"‏المغازي‏"‏ عن الزهري، وذكره أبو الأسود عن عروة ‏[‏قلت‏:‏ هذا مرسل، وأخرج ابن سعد في ‏"‏طبقاته‏"‏ في القسم الثاني، من الجزء الثاني ص 20 - ج 2 القصة عن الواقدي بإسناده عن عمرة عن عائشة، ولكن الواقدي مكشوف الحال، وكذا في ص 22 من حديث أم سلمة، وفيه الواقدي أيضًا، ومن حديث أبي سعيد في‏:‏ ص 23‏.‏‏]‏ أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أقلع عنه الوعك ليلة الاثنين، فغدا الى صلاة الصبح متوكئًا على الفضل ابن العباس‏.‏ وغلام له، وقد سجد الناس مع أبي بكر، حتى قام الى جنب أبي بكر، فاستأخر أبو بكر فأخذ رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بثوبه، فقدمه في مصلاه فصفّا ‏[‏في نسخة - ك - ‏"‏فصليا‏"‏‏.‏‏]‏ جميعًا، ورسول اللّه جالس، وأبو بكر يقرأ، فركع معه الركعة الآخرة، ثم جلس أبو بكر حتى قضى سجوده، فتشهد وسلم، فأتى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الركعة الأخرى، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، فذكر القصة في دعائه أسامة بن زيد، وعهده إليه فيما بعثه فيه، ثم في وفاة رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يومئذ، أخبرنا به أبو عبد اللّه الحافظ بسنده الى ابن لهيعة، حدثنا أبو الأسود عن عروة، فذكره، قال البيهقي‏:‏ فالصلاة التي صلاها أبو بكر، وهو مأموم، هي صلاة الظهر، وهي التي خرج فيها بين العباس‏.‏ وعلي، والتي كان فيها إمامًا، هي صلاة الصبح، وهي التي خرج فيها بين الفضل ابن العباس‏.‏ وغلام له، وفيها الجمع بين الأخبار، انتهى كلام البيهقي‏.‏

قلت‏:‏ وحديث كشف الستارة في ‏"‏الصحيحين ‏[‏أخرجه البخاري في ‏"‏باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة‏"‏ ص 93 ومسلم في ‏"‏باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر‏"‏ ص 179‏.‏‏]‏‏"‏، وليس فيه‏:‏ أنه عليه السلام صلى خلف أبي بكر، أخرجاه عن أنس أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين، وهم صفوف في الصلاة، كشف رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ستر الحجرة، فنظر إلينا، وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ ضاحكًا، قال‏:‏ فبهتنا، ونحن في الصلاة فرحًا برسول اللّه، ونكص أبو بكر على عقبيه، وظن أن رسول اللّه خارج للصلاة، فأشار إليهم بيده، أن أتموا صلاتكم، ثم دخل، وأرخى الستر، وتوفى من يومه ذلك، وفي لفظ للبخاري ‏[‏والذي يفهم من كلام ابن حبان، ومن مراجعة الأصول أن لحديث عائشة في مرض موت النبي صلى اللّه عليه وسلم وإمامته مخارج أربعة، اختلف عليها كلها، ثلاثة منها في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏:‏ -

أحدها‏:‏ طريق موسى بن أبي عائشة عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عنها، روى عنه زائدة، وفيه‏:‏ فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى اللّه عليه وسلم، والناس بصلاة أبي بكر، اهـ‏.‏ لم يختلف على زائدة فيه، أخرج حديثه البخاري في ‏"‏باب إنما جعل الامام ليؤتم به‏"‏ ص 95، ومسلم في ‏"‏باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر‏"‏ ص 177 اتفقا على روايته عن أحمد بن يونس عن زائدة، وروى عن موسى شعبة، واختلف فيه، روى أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 249 - ج 6 عن أبي داود الطيالسي حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة، قال‏:‏ سمعت عبيد اللّه بن عبد اللّه يحدث عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي

بالناس في مرضه الذي مات فيه، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين يدي أبي بكر يصلي بالناس قاعدًا، وأبو بكر يصلى بالناس خلفه، اهـ‏.‏ وروى النسائي في ‏"‏باب الإئتمام بمن يأتم بالإمام‏"‏ ص 128 عن محمود بن غيلان عن أبي داود به، وفيه‏:‏ قالت‏:‏ وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم بين يدي أبي بكر، والناس خلف أبي بكر، اهـ‏.‏ وأخرجه ابن جارود‏:‏ ص 166 في ‏"‏باب تخفيف الصلاة بالناس‏"‏ عن إسحاق بن منصور عن أبي داود به، وفيه‏:‏ قالت‏:‏ فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين يدي أبي بكر قاعدًا، وأبو بكر يصلي خلفه، اهـ‏.‏ ففي هذا وافق شعبة زائدة في إمامة النبي صلى اللّه عليه وسلم، ولحديث شعبة طريق آخر، رواه ابن حبان، كما قال الزيلعي، ولم يذكر إسناده، ورواه ابن حزم في ‏"‏المحلى‏"‏ ص 67 - ج 3 من طريق محمد بن بشاء حدثنا بدل بن المحبر حدثنا شعبة عن موسى عن عبيد اللّه عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس‏.‏ ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خلفه، اهـ‏.‏ قلت‏:‏ فكأنه انقلب على بعض الرواة، واللّه أعلم‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 3‏)‏‏:‏ - الحديث الحادي والسبعون‏:‏ روى أنه عليه السلام‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

الثاني‏:‏ طريق الأعمش عن إبراهيم‏:‏ عن الأسود عن عائشة، رواه البخاري في ‏"‏الصحيح - في باب حديث آخر‏:‏ المريض أن يشهد الجماعة‏"‏ ص 91، ومسلم في‏:‏ ص 178، وفيه‏:‏ فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلي، وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، اهـ‏.‏ روى عنه حفص بن غياث‏.‏ وأبو معاوية‏.‏ وعبد اللّه بن داود، عند البخاري، وكيع‏.‏ وابن مسمر‏.‏ وابن يونس‏.‏ وأبو معاوية، عند مسلم، وروى ابن جارود في ‏"‏المنتقى‏"‏ ص 166 حديث موسى بن أبي عائشة من طريق إسحاق بن منصور، قال‏:‏ أنا أبو داود، قال‏:‏ حدثنا شعبة عن موسى ابن أبي عائشة بإسناده مثل حديث زائدة، ثم قال‏:‏ قال أبو داود‏:‏ حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن أبا بكر رضي اللّه تعالى عنه، كان المقدم، اهـ‏.‏

والثالث‏:‏ طريق عروة عن عائشة اختلف فيه عليه أيضًا، روى الشيخان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قولها‏:‏ فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، أخرجه البخاري في ‏"‏باب من قام الى جنب الامام لعلة‏"‏ ص 94، ومسلم في ‏"‏باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر‏"‏ ص 179، وروى أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 159 - ج 6 عن شبابة بن سوار حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة بن الزبير عن عائشة، الحديث، وفيه‏:‏ فصلى أبو بكر، وصلى النبي صلى اللّه عليه وسلم خلفه قاعدًا، اهـ‏.‏

والرابع‏:‏ طريق أبي وائل عن مسروق عن عائشة، وقد اختلف فيه على أبي وائل، روى عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة إمامة النبي صلى اللّه عليه وسلم، وروى نعيم بن أبي هند عن أبي وائل، واختلف فيه على نعيم، روى البيهقي في ‏"‏سننه‏"‏ ص 82 - ج 3 من طريق أحمد بن عبد اللّه النرسي عن شبابة ابن سوار عن شعبة، وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 159 - ج 6 عن شبابة عن شعبة عن نعيم بإسناده، قال‏:‏ صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خلف أبي بكر قاعدًا في مرضه الذي مات فيه، وروى أحمد في ‏"‏مسنده‏:‏ ص 159 - ج 6 عن بكر بن عيسى عن شعبة، والنسائي في ‏"‏باب صلاة الامام خلف رجل من رعيته‏"‏ ص 127 عن محمد ابن المثنى عن بكر بن عيسى عن شعبة عن نعيم عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس، وأبو بكر في الصف، اهـ‏.‏ وهكذا رواه بدل بن المحبر‏.‏ وأبو أمية الطرطوسي عن شبابة بن سوار، كلاهما عن شعبة، روى حديثهما البيهقي في ‏"‏سننه‏"‏ ص 83 - ج 3، ومن طريق النسائي، روى ابن حزم في ‏"‏المحلى‏"‏ ص 67 - ج 3، وروى البيهقي من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن عائشة، فذكرت قصة مرض النبي صلى اللّه عليه وسلم، وفي آخره‏:‏ فلما أحس أبو بكر بحس النبي صلى اللّه عليه وسلم أراد أن يستأخر، فأومأ إليه أن يثبت، وجيء بالنبي صلى اللّه عليه وسلم، فوضع بحذاء أبي بكر، أو قالت‏:‏ في الصف، اهـ‏.‏ قال البيهقي‏:‏ هذا يخالف رواية شبابة عن شعبة في الاسناد والمتن، وقد روى شبابة عن شعبة بقريب من هذا المتن، اهـ‏.‏ ثم أخرج طريق الطرطوسي‏.‏ وبدل بن المحبر، كما عند النسائي، وقال‏:‏ رواية مسروق تفرد بها نعيم عن أبي وائل، واختلف عليه، اهـ‏.‏

هذا، ثم الظاهر من سياق الأحاديث أن الاختلاف في إمامة النبي صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ والصديق في صلاة واحدة، وأن القصة واحدة، وأن الاختلاف فيها من تصرف الرواة فقط، تعدد خروج النبي صلى اللّه عليه وسلم في مرض موته أو لم يتعدد، وأن الظاهر من صنيع الشيخين أنهما رجحا إمامة النبي صلى اللّه عليه وسلم، لأنهما لم يدخلا في ‏"‏صحيحهما‏"‏ من حديث موسى بن أبي عائشة‏.‏ والأعمش‏.‏ وعروة، إلا ما فيه إمامة النبي صلى اللّه عليه وسلم، مع ثقة رواة الخلاف، وأنهم من أشهر رجال الصحيحين، ووجوه الترجيح واضحة، فيما ذكرنا، لا حاجة لنا أن نشتغل بإعادتها، واختيار الشيخين هو المرجح، ‏"‏وليس وراء عبادان فرية‏"‏‏.‏

وأما حملها على تعدد الواقعة، كما حمله ابن حبان‏.‏ والبيهقي، فهذا بعيد جدًا، سواء تعددت الواقعة في نفس الأمر، أم لا، وهذا إنما يحسن إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت، كما هنا، فهو من تصرف الرواة، قاله الحافظ في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 217 - ج 11 لحديث آخر مثله، لأن مخرج حديث زائدة عن موسى بن أبي عائشة متحد مع حديث شعبة عنه، مع ما اتفق على شعبة فيه، وحديث حفص بن غياث‏.‏ وأبي معاوية‏.‏ وغيرهما عن الأعمش مع حديث شعبة عنه، مع ما فيه من مظنة التعليق، وحديث هشام بن عروة عن أبيه مع حديث مسعد بن إبراهيم عن عروة، وحديث عاصم ابن أبي النجود عن أبي وائل، مع حديث نعيم عنه، مع ما اختلف عليه، مع أن الظاهر من حديث أنس عند الشيخين أنه عليه السلام لم يخرج يوم الاثنين، إنما كشف الستر وهم في الصلاة، وأشار الى أبي بكر أن يتقدم وأرخى الحجاب، فلم يقدر عليه، حتى مات، فلو خرج في الركعة الثانية، كما يقوله من يقوله، لقدر عليه أنس‏.‏ ومن معه من المسلمين، كيف‏!‏ وقد قدروا عليه، وهم في الصلاة، ولم يمنعهم من النظر إلى وجهه الكريم حرمة الصلاة، فلو خرج ثانيًا، وصلى مع المؤمنين ركعة، وقضى ركعة بعد انصرافهم، لكانوا أقدر عليه من المرة الأولى، فحديث أنس ليس فيه إلا السكوت عن الخروج الثاني، بل فيه البيان، بأنه لم يخرج، ولو سكت لكان سكوته بيانًا، لأن الواقعة لها شأن، وفي ذكرها تنويه، فلا يسكت عن هذا الحرف من يذكر القصة، إلا لعدم الوقوع، ومثله حديث ابن عباس، عند مسلم في ‏"‏كشف الستارة‏"‏ ولم يذكر بإسناد صحيح يحتج به، بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج يوم الاثنين، وصلى خلف أبي بكر ركعة، إلا ما روى ابن سعد في ‏"‏طبقاته‏"‏ في القسم الثاني، من الجزء الثاني ص 20‏:‏ من حديث عائشة، وفي ص 22‏:‏ من حديث أم سلمة، وفي ص 23‏:‏ من حديث أبي سعيد الخدري، كلها من طريق محمد بن عمر، وهو مكشوف، لم يعتمد عليه ابن حبان في هذه المسألة، إذ لفظ حديث أم سلمة‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان في وجعه، إذا خفّ عنه ما يجد، خرج فصلى بالناس‏:‏ وإذا وجد ثقله، قال‏:‏ مروا الناس، فليصلوا، فصلى بهم ابن أبي قحافة يومًا الصبح، فصلى ركعة فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجلس الى جنبه، فائتم بأبي بكر، فلما قضى أبو بكر الصلاة أتم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما فاته، اهـ‏.‏ وفي حديث أبي سعيد، قال‏:‏ لم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في وجعه، إذا وجد خفة خرج، وإذا ثقل وجاءه المؤذن، قال‏:‏ مروا أبا بكر يصلي بالناس، الحديث وفي طريق آخر له‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى في مرضه بصلاة أبي بكر ركعة من الصبح، ثم قضى الركعة الباقية، قال محمد بن عمر‏:‏ رأيت هذا الثبت عند أصحابنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر، اهـ‏.‏ وقد قال ابن حبان أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صلى في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد، اهـ‏.‏ وقال الشافعي في ‏"‏كتاب الأم‏"‏ ص 185 - ج 2‏:‏ مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيامًا وليالي، ولم يبلغنا أنه صلى اللّه عليه وسلم صلى بالناس إلا صلاة واحدة‏.‏

وبعد‏:‏ يشكل حديث أم الفضل عند الترمذي في ‏"‏باب القراءة في المغرب‏"‏ ص 41، قالت‏:‏ خرج إلينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مرضه، فصلى المغرب، فقرأ ‏"‏بالمرسلات‏"‏ فما صلاها بعد، حتى لقي اللّه عز وجل، اهـ‏.‏ إلا أن المصرح عند الطحاوي‏:‏ ص 125، والنسائي‏:‏ ص 154، و‏"‏مسند‏"‏ أحمد‏:‏ ص 338 - ج 6، أن هذه الصلاة كانت في البيت، اهـ‏.‏‏]‏ ‏"‏‏:‏ أن ذلك كان في صلاة الفجر، واللّه أعلم، وقال ابن حبان في ‏"‏صحيحه‏"‏ بعد أن روى حديث عائشة من رواية زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن عائشة بلفظ الصحيحين، ثم رواه من حديث شعبة ‏[‏أجمل في الذكر، ولم يذكر من روى عن شعبة، لينظر كيف حاله، قلت‏:‏ قال ابن حزم في ‏"‏المحلى‏"‏ ص 67 - ج 3‏:‏ حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثني أحمد بن عون اللّه حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني حدثنا محمد بن بشار حدثنا بدل بن المحبر حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة به، اهـ‏.‏‏]‏ عن موسى بن أبي عائشة به‏:‏ أن أبا بكر صلى بالناس، ورسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في الصف خلفه، انتهى‏.‏ قال‏:‏ فهذا شعبة قد خالف زائدة في هذا الخبر، وهما ثبتان حافظان، ثم أخرج عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة، قالت‏:‏ أغمي على رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، ثم أفاق، فقال‏:‏ أصلي بالناس‏؟‏ قلنا‏:‏ لا، الحديث - الى أن قال‏:‏ فخرج بين ثويبة‏.‏ وبريرة، فأجلستاه الى جنب أبي بكر، فكان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يصلي، وهو جالس، وأبو بكر قائم يصلي بصلاة رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، ثم قال‏:‏ وقد خالف نعيم بن أبي هند في هذا الخبر، عاصم بن أبي النجود، ثم أخرج عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة، قالت‏:‏ صلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدًا، قال وعاصم بن أبي النجود‏.‏ ونعيم بن أبي هند حافظان ثقتان‏.‏

قال‏:‏ وأقول، وباللّه التوفيق‏:‏ إن هذه الأخبار كلها صحيحة، ليس فيها تعارض، فإن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صلى في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد ‏[‏قلت‏:‏ وإليه مال ابن حزم في ‏"‏المحلى‏"‏ ص 67 ج 3 قال‏:‏ إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك‏]‏‏:‏ في إحداهما‏:‏ كان إمامًا، وفي الأخرى كان مأمومًا، قال‏:‏ والدليل على ذلك أن في خبر عبيد اللّه بن عبد اللّه عن عائشة أنه عليه السلام خرج بين رجلين‏:‏ العباس‏.‏ وعلي، وفي خبر مسروق عنهما‏:‏ أنه عليه السلام خرج بين‏:‏ بريرة‏.‏ وثويبة ‏[‏في نسخة ‏"‏ثويبة‏"‏ ضبطه الحافظ ‏"‏بالنون المضمومة، بعدها الواو الساكنة، ثم الموحدة‏"‏‏.‏‏]‏ انتهى‏.‏ وفي كلام البخاري ‏[‏في ‏"‏كتاب المرضى - في باب المرضى، إذا عاد مريضًا فحضرت الضلاة‏"‏ ص 845، وقال البخاري في ‏"‏باب - إنما جعل الامام ليؤتم به‏"‏ ص 96‏:‏ إنما يؤخذ بالآخر، الخ‏.‏‏]‏ ما يقتضي الميل الى أن حديث‏:‏ إذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا، منسوخ، فإنه قال بعد أن رواه‏:‏ قال الحميدي‏:‏ هذا حديث منسوخ، لأنه عليه السلام آخر ما صلى صلى قاعدًا، والناس خلفه قيام، وإنما يؤخذ بالآخر، فالآخر من فعله عليه السلام، انتهى‏.‏ ذكره في عدة مواضع من كتابه، وابن حبان لم ير بالنسخ، فإنه قال بعد أن رواه في ‏"‏صحيحه‏"‏‏:‏ وفي هذا الخبر بيان واضح أن الإِمام إذا صلى قاعدًا، كان على المأمومين أن يصلوا قعودًا، وأفتى به من الصحابة ‏[‏قال الحافظ في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 146 - ج 2‏:‏ قد أمَّ قاعد جماعة من الصحابة، ثم ذكر هؤلاء، وذكر من خرج آثارهم، وصحح أسانيدها‏.‏‏]‏‏:‏ جابر بن عبد اللّه‏.‏ وأبو هريرة‏.‏ وأسيد بن حضير ‏[‏وله حديث مرفوع‏:‏ إذا صلى قاعدًا فصلوا خلفه قعودًا، عند الحاكم‏:‏ ص 289 - ج 3 وصححه‏]‏‏.‏ وقيس بن قهد، ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلاف هذا، بإِسناد متصل‏.‏ ولا منقطع، فكان إجماعًا، والإِجماع عندنا إجماع الصحابة، وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد، ولم يرو عن غيره من التابعين خلافه بإسناد صحيح، ولا واهٍ‏.‏ فكان إجماعًا من التابعين أيضًا، وأول من أبطل ذلك في الأمة‏:‏ المغيرة ابن مقسم، وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان، ثم أخذه عن حماد أبو حنيفة، ثم عنه أصحابه، وأعلى حديث احتجوا به، حديث ‏[‏كيف يستدل بهذا لأبي حنيفة، وأنه أجاز إمامة القاعد، إنما منع قعود غير المريض، وهذا شيء آخر‏]‏ رواه جابر الجعفي عن الشعبي، قال عليه السلام‏:‏ ‏"‏لا يؤمَّن أحد بعدي جالسًا‏"‏، وهذا لو صح إسناده لكان مرسلًا، والمرسل عندنا‏.‏ وما لم يرو سيان، لأنا لو قبلنا إرسال تابعي‏.‏ وإن كان ثقة، للزمنا قبول مثله عن أتباع التابعين، وإذا قلنا‏:‏ لزمنا قبوله من أتباع أتباع التابعين، ويؤدي ذلك الى أن يقبل من كل أحد، إذا قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وفي هذا نقض الشريعة، والعجب أن أبا حنيفة يجرح جابر الجعفي ويكذبه، ثم لما أخطره الأمر جعل يحتج بحديثه، وذلك كما أخبرنا به الحسين بن عبد اللّه بن يزيد القطان بالرقة، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ‏[‏في نسخة ‏"‏الجوزاء‏"‏‏.‏‏]‏ سمعت أبا يحيى الحماني سمعت أبا حنيفة، يقول‏:‏ ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء، ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء من رأيي قط إلا جاءني فيه بحديث، وقد ذكرنا ترجمة جابر الجعفي في ‏"‏كتاب الضعفاء‏"‏، انتهى كلامه‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ - الحديث الحادي والسبعون‏:‏ روى أنه عليه السلام‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وحديث جابر الجعفي هذا أخرجه الدارقطني ‏[‏ص 153 والبيهقي في ‏"‏سننه‏"‏ ص 80 ج 3 وضعفه‏.‏‏]‏، ثم البيهقي في ‏"‏سننهما‏"‏ عن جابر الجعفي عن الشعبي، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏لا يؤمَّنَّ أحد بعدي جالسًا‏"‏، قال الدارقطني‏:‏ لم يروه عن الشعبي غير جابر الجعفي، وهو متروك، والحديث مرسل لا تقوم به حجة، انتهى‏.‏ وقال عبد الحق في ‏"‏أحكامه‏"‏‏:‏ ورواه عن الجعفي مجالد، وهو أيضًا ضعيف، انتهى‏.‏ وقال البيهقي في ‏"‏المعرفة‏"‏‏:‏ الحديث مرسل لا تقوم به حجة، وفيه جابر الجعفي، وهو متروك في روايته مذموم في رأيه، ثم قد اختلف عليه فيه، فرواه ابن عيينة عنه، كما تقدم، ورواه ابن طهمان عنه عن الحكم، قال‏:‏ كتب عمر‏:‏ لا يؤمَّنَّ أحد جالسًا بعد النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وهذا مرسل موقوف، ثم أسند عن الشافعي حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن جابر أنه صلى، وهو مريض جالسًا، وصلى الناس خلفه جلوسًا، وأخبرنا الثقفي عن يحيى بن سعيد أن أسيد بن حضير فعل مثل ذلك، قال الشافعي‏:‏ وإنما فعلا مثل ذلك، لأنهما لم يعلما بالناسخ، وكذلك ما حكى عن غيرهم من الصحابة ‏[‏ذكر ابن حجر في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 147 قيس بن قهد، وأسيد بن حضير، وجابر بن عبد اللّه أنهم صلوا قعودًا، والناس خلفهم جلوس، وذكر أبا هريرة أنه أفتى بذلك، وذكر من أخرج هذه الآثار، وصحح الحافظ أسانيدها، وذكر ابن حزم في ‏"‏المحلى‏"‏ ص 70 ذلك أيضًا، وأخرج الدارقطني‏:‏ ص 52 عن أسيد بن حضير، وفي‏:‏ ص 162 عن جابر أنهم صليا جالسين، والمأمومون أيضًا جلوس‏.‏‏]‏ أنهم أمُّوا جالسين، ومن خلفهم جلوس، محمول على أنه لم يبلغهم النسخ، وعلم الخاصة يوجد عند بعض، ويعزب عن بعض، انتهى‏.‏ وقال الحازمي في ‏"‏كتابه الناسخ والمنسوخ‏"‏‏:‏ اختلف الناس في ‏"‏الإِمام‏"‏ يصلي بالناس جالسًا من مرض، فقالت طائفة‏:‏ يصلون قعودًا، اقتداءً به، واحتجوا بحديث عائشة‏.‏ وحديث أنس‏:‏ وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون، وقد فعله أربعة من الصحابة‏:‏ جابر بن عبد اللّه‏.‏ وأبو هريرة‏.‏ وأسيد بن حضير‏.‏ وقيس بن قهد، وقال أكثر أهل العلم‏:‏ يصلون قيامًا‏:‏ ولا يتابعونه في الجلوس، وبه قال أبو حنيفة‏.‏ والشافعي، وادَّعوا نسخ تلك الأحاديث بأحاديث أخرى‏:‏ منها حديث عائشة في ‏"‏الصحيحين‏"‏ أنه عليه السلام صلى بالناس جالسًا، وأبو بكر خلفه قائم، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر، وليس المراد أن أبا بكر كان إمامًا حقيقة، لأن الصلاة لا تصح بإمامين ولكن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان الإِمام، وأبو بكر كان يبلغ الناس، فسمي لذلك إمامًا، واللّه أعلم، انتهى كلامه‏.‏

واعلم أنه لا يقوى الاحتجاج على أحمد بحديث عائشة المذكور‏:‏ أنه عليه السلام صلى جالسًا، والناس خلفه قيام، بل ولا يصلح، لأنه يجوز صلاة القائم خلف من شرع في صلاته قائمًا، ثم قعد لعذر، ويجعلون هذا منه، سيما، وقد ورد في بعض طرق الحديث‏:‏ أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أخذ في القراءة من حيث انتهى إليه أبو بكر، رواه الدارقطني في ‏"‏سننه‏"‏‏.‏ وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏، قال ابن القطان في ‏"‏كتابه الوهم والإِيهام‏"‏‏:‏ وهي رواية مرسلة، فإِنها ليست من رواية ابن عباس عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وإنما رواها ابن عباس عن أبيه العباس عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، لذلك رواه البزار في ‏"‏مسنده‏"‏ بسند فيه قيس بن الربيع، وهو ضعيف، ثم ذكر له مثالب في دينه، قال‏:‏ وكان ابن عباس كثيرًا ما يرسل ‏[‏قلت‏:‏ مراسيل الصحابة مقبولة بالإجماع، وإن لم يحضر الواقعة، بل وإن خالف من حضر الواقعة، كذا في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 185 - ج 3، وإنما يرده من يرد المراسيل، مرسل صحابي رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو لا يميز، كما قال السخاوي في ‏"‏فتح المغيث‏"‏ ص 62‏:‏ رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم، ولم يسمع منه شيئًا، كما قاله الحافظ في ‏"‏الفتح‏"‏ وابن عباس ليس منهم، باعتراف من يتعلل بأنه سمع سبعة عشر حديثًا، واللّه أعلم‏.‏‏]‏، ولا يذكر منه حدثه، حتى قالوا‏:‏ إن جميع مسموعاته سبعة عشر حديثًا ‏[‏قد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي صلى اللّه عليه وسلم، فكان من الغريب قول الغزالي في ‏"‏المستصفى‏"‏، وقلده جماعة‏:‏ إنها أربعة، ليس إلا، وعن يحيى القطان‏.‏ وابن معين‏.‏ وأبي داود ‏"‏صاحب السنن‏"‏ تسعة، وعن غندر‏:‏ عشرة، وعن بعض المتأخرين‏:‏ إنها دون العشرين، من وجوه صحاح، وقد اعتنى شيخنا بجمع الصحيح‏.‏ والحسن فقط، من ذلك، فزاد على الأربعين، سوى ما هو في حكم السماع، كحكاية حضور شيء فعل في حضرة النبي صلى اللّه عليه وسلم، وأشار شيخنا لذلك عقب قول البخاري في الحديث الثالث، من باب العشر من الرقاق‏:‏ هذا مما يعد أن ابن عباس سمعه ‏"‏فتح المغيث‏"‏ ص 63، وراجع له ‏"‏فتح الباري‏"‏ ص 331 - ج 11‏]‏، وقيل‏:‏ أكثر من ذلك، جمعها الحميدي‏.‏ وغيره، والصحيح الذي ينبغي العمل به، هو أن يحمل أحاديثه كلها على السماع المتصل، حتى يظهر من دليل خارج، أنه سمع هذا الحديث بواسطة، فيقال حينئذ‏:‏ إنه مرسل، وذلك نحو هذا الحديث، انتهى‏.‏ وحديث العباس هذا الذي أشار إليه، رواه البزار في ‏"‏مسنده ‏[‏ورواه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 209 - ج 1 عن يحيى بن آدم عن قيس بن ربيع به، ولفظه‏:‏ فقرأ من المكان الذي بلغ أبو بكر رضي اللّه عنه من السورة، اهـ‏.‏ ورواه الدارقطني في ‏"‏سننه‏"‏ ص 153 من حديث يحيى بن آدم به، سواء بسواء، إلا أن فيه عبد الملك بن أرقم بن شرحبيل، بدل‏:‏ أرقم بن شرحبيل‏.‏‏]‏‏"‏ من حديث قيس عن عبد اللّه بن أبي السفر عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس عن العباس، قال‏:‏ خرج النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏.‏ وأبو بكر يصلي بالناس، فقرأ من حيث انتهى إليه أبو بكر، انتهى‏.‏ قال البزار لا نعلم هذا الكلام يروى إلا من هذا الوجه بهذا الإِسناد، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ رواه ابن ماجه ‏[‏رواه ابن ماجه في ‏"‏باب صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مرضه‏"‏ ص 88، قال الحافظ في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 629 - ج 5 أخرجه أحمد‏.‏ وابن ماجه بسند قوي، وصححه الحافظ من رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس، وحسن الحديث، في‏:‏ ص 145 - ج 2، قلت‏:‏ وأخرجه الطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏ ص 235 - ج 1، وفي ‏"‏مشكله‏"‏ ص 27 - ج 2، وأحمد‏:‏ ص 355 - ج 1، و ص 357 - ج 1، و ص 357، وابن سعد في ‏"‏طبقاته‏"‏ ص 130 - ج 3 في الحصة الأولى، والبيهقي في ‏"‏سننه‏"‏ ص 81 - ج 3، كلهم من حديث أسرائيل عن أبي اسحاق عن أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 331 ج 1 من حديث زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق به، فالاسناد إلى ابن عباس صحيح، غاية ما يقال فيه‏:‏ إنه مرسل، فماذا‏؟‏ لا سيما، وقد علم أنه ابن عباس، وأنه صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏‏]‏ من غير طريق قيس، فقال‏:‏ حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأرقم ابن شرحبيل عن ابن عباس، قال‏:‏ لما مرض رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـن فذكره، إلى أن قال ابن عباس‏:‏ وأخذ رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، في القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر، قال وكيع‏:‏ وكذا السنة، مختصر‏.‏

- أحاديث الفريضة خلف النافلة‏:‏ احتج أصحابنا على المنع بحديث أخرجه البخاري‏.‏ ومسلم ‏[‏قلت‏:‏ أخرج البخاري حديث‏:‏ فلا تختلفوا عليه، في ‏"‏باب إقامة الصفوف من تمام الصلاة‏"‏ ص 100، ومسلم في ‏"‏باب ائتمام المأموم بالامام‏"‏ ص 177، كلاهما من حديث أبي هريرة، أما حديث أنس، فلم أجد بهذا اللفظ في ‏"‏الصحيحين‏"‏ واللّه أعلم‏.‏‏]‏ عن أنس أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ ‏"‏إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه‏"‏، قالوا‏:‏ واختلاف النية داخل في ذلك، قال النووي‏:‏ وحمله الشافعي على الاختلاف من أفعال الصلاة، بدليل قوله‏:‏ ‏"‏فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا‏"‏، وبدليل أنه يصح اقتداء المتنفل بالمفترض، وبقولنا قال مالك‏.‏ وأحمد‏.‏